Tuesday, July 20, 2010

بروكلين هايتس.. متي تتوقف روايات المرأة عن التعاسة واجترار الذكريات؟!

طلال فيصل كتب:
لا تحمل جائزة الأورانج البريطانية التاريخ الثقيل والعريق الذي تحمله جوائز بريطانية أخري، البوكر مثلا، إلا أنها استطاعت في سنوات قليلة أن تحجز لنفسها مكاناً مهما في خريطة الجوائز الإنجليزية والعالمية، أصبح النقاد والقراء يتابعون نتائجها بشغف ليعرفوا اسم الكاتبة التي ستفوز بهذه الجائزة، الجدية التي يتعامل بها القائمون علي هذه الجائزة والأسماء التي قدمتها في السنوات الأخيرة، بالإضافة طبعاً للشغف الذكوري في التلصص علي الكتابة النسائية
«feminist »
حتي نبدو مثقفين أكثر، كل هذه العوامل أدت لحالة من الاهتمام تحيط بالجائزة المخصصة لأدب المرأة ،غير أن الاهتمام يبدو في سبيله للتراجع، حالة الشغف والترقب لم تعد كما كانت في البداية ومعدلات التوزيع مرتفعة ولكن ليس كما كانت في البداية، بل ونجد الناقدة وعضو لجنة تحكيم جائزة الأورانج هذا العام ديزي جودوين
Daisy Goodwin
تكتب في تثاقل وهي تكاد تتثاءب مللاً علي صفحات اللإندبندنت «ألا يمكن لروايات المرأة أن تكف عن التعاسة واجترار الذكريات».. ما علاقة هذه المقدمة الطويلة بالعرض الذي سأقدمه لرواية ميرال الطحاوي الجديدة، بروكلين هايتس؟ ثمة علاقة لا ريب.

في روايتها الجديدة تقدم لنا ميرال الطحاوي عالما جديدا عليها وعن العالم الروائي الذي قدمته من قبل، عالم البدو الذي قدمته في روايتيها «الخباء» و«الباذنجانة الزرقاء»، هنا، في «بروكلين هايتس» تنطلق إلي أمريكا، بروكلين تحديدا وشارع الفلات بوش حيث تسكن بطلتها الجديدة «هند» في شقة ضيقة، «هند» امرأة مصرية مطلقة هاربة من ماض تعيس وأم مقهورة وزوج خائن وأحلام بكتابة رواية لا تكتمل (تركيبة نموذجية للغاية لرواية
feminist
، ليس معها في الغربة - بخلاف وحدتها وذكرياتها المريرة - غير سحابنها الذي يمارس تسلطه الذكوري لا يزال في الثامنة من عمره، واللافت أنه بقدر ما تزدحم مدينة بروكلين بالجنسيات والشخصيات والأحداث، بقدر ما تنعدم في الرواية الدراما، حيث سنبدأ حيث سننتهي، ومشهد الافتتاح لا يختلف كثيرا عن مشهد الختام، بطلتنا هند تجتر ذكرياتها وتتمشي في شوارع بروكلين، تقدم لوحات توثيقية لمن يعيشون هناك وتستعيد بالذاكرة من يعيشون هنا، طوال الصفحات التي تتجاوز المائتين سنمر مرورًا عابراً بشخصيات مثل جوجو المكسيكية التي تترك زوجها عبد الكريم الكردي ضجرا ومللا من «رائحته العربية» وليليت التي تترك زوجها في مصر بلا مبرر وإيمليا الروسية التي تلقي محاضرات طويلة في نقد السياسة الأمريكية، نلتقي بصاحب الشقة في الفصل السادس، تانجو، وهو من أروع فصول الرواية، أمريكي ستيني نموذجي يريد إقامة علاقة جنسية مع البطلة وحين ترفض يعرف كيف يهين أنوثتها بالسخرية من
big fat ass
، تجيد الكاتبة اقتناص اللحظات الخاصة بالمرأة عندما تشعر بإهانة موجهة لجسدها أو في شكل الحوار الذكي الذي يدور مع ابنها أو في وصف شخصية مثل فاطيما الصومالية، والتي جاءت حيوية ومكتوبة بعناية، وكذلك نزاهات، الطبيبة البوسنية اللاجئة، ولكن تتردد الرواية بعد ذلك في وصف الشخصيات بين تقديمها بشكل واقعي تماما وهو الغالب علي الشخصيات الموجودة في بروكلين، أو الوصف الأسطوري الذي يحيط بالشخصيات في مصر ومع عدم وجود دراما بالمفهوم الأرسطي فإن الشخصيات تظهر علي شاشة الرواية لتختفي، الرواية يحكمها قانون الذاكرة وللذاكرة طابع التناثر، تسير بك الساردة من صفحة لأخري، كئيبة كما يليق بامرأة شرقية، حزينة كما ينبغي لامرأة تري الاضطهاد في كل وقت وفي كل شيء، تسير بك الساردة وهي تحكي بلا مبالاة، هذه الجدة زينب، هذه الضيفة، هذا أبي وهذه أمي وهذا الرجل المتأنق السخيف هو زوجي، وهنا لا يبدو من المهم أن أقول رأيي - سواء بالإعجاب أو نقيضه - بقدر ما يبدو مهما أن نفهم هذه الرواية وهذه الكتابة في سياقها الذي لا تنتزع منه.

كانت التسعينيات، الجيل الذي تنتمي له الكاتبة زمنيا، الفترة الذهبية لما عرف بالكتابة النسوية، أستعيد أسماء منال القاضي وعفاف السيد ونجوي شعبان وسحر الموجي، الأسماء التي شكلت موجة من الكتابة وقتها، كنت أشعر بشيء من تأنيب الضمير حين أجد الملل يتسرب إلي نفسي وأنا أقرأ وأقول، ربما هو تسلط ذكوري مني، تسلط خفي تكشفه هذه الروايات فأحاول مواجهته برد فعل دفاعي وأشعر بالملل بينما الفن مني براء، لكني حين قرأت الرواية الأخيرة واستعدت ما بدأ يكتب في الصحف البريطانية حول هذه الطريقة في الكتابة بدأت أسترد الثقة في نفسي وفي ذوقي، لست متحاملا ولست وحشا ذكوريا يهاجم الكتابة النسوية الجميلة، إنما أنا مجرد قارئ عادي يتساءل مع ديزي جودوين «ألا يمكن لروايات المرأة أن تكف عن التعاسة واجترار الذكريات؟».

الغلاف: من تصميم الروائي والمصور الفوتوغرافي أحمد مراد ،الخلفية سماء برتقالية تحتضن ظلال الأم وابنها السائرين في المدينة الأمريكية الكبيرة..غلاف يجتر الذكريات بدوره.

No comments:

Post a Comment